شريط الأخبار

ماذا سيحدث لو اختفت الأشجار من على وجه الأرض؟

في فيلم “ماكس المجنون: طريق الغضب”، تجابه فيوريوزا الصعاب للعودة إلى “المكان الأخضر”، تلك الواحة الخضراء المليئة بالأشجار بعد أن عم الخراب والدمار أرجاء العالم. وعندما وصلت فيوريوزا إلى البقعة المقدسة لم تجد إلا كثبانا رملية وبقايا جذوع أشجار ميتة، وأطلقت صرخة ألم مدوية من فرط اليأس.

وتقول ميغ لومان، مديرة مؤسسة الأشجار غير الربحية في فلوريدا: “الغابات قوام الحياة، وتؤدي وظائف استثنائية وضرورية تساعدنا على البقاء على قيد الحياة على سطح الأرض”.

وتتراوح وظائف الأشجار على كوكب الأرض من اختزان الكربون وحفظ التربة لتنظيم دورة الماء، ودعم النظم الغذائية، وتوفير مأوى لأنواع لا حصر لها من الحيوانات والطيور، وكذلك مواد البناء للبشر.

لكن البشر كثيرا ما يتعاملون مع الأشجار بلا اكتراث، فيقطعونها لجني مكاسب اقتصادية أو لأنها تعيق الزحف العمراني البشري. إذ اقتلع البشر منذ 12 ألف عام نصف أشجار العالم تقريبا التي يقدر عددها بنحو 5.8 تريليون شجرة، بحسب دراسة نشرت في دورية “نيتشر”.

وتُقطع نحو 15 مليار شجرة سنويا، خاصة في المناطق الاستوائية. وتراجعت رقعة الغابات منذ الثورة الصناعية بنسبة 32 في المئة. وفي أغسطس/آب الماضي زاد عدد الحرائق في غابات الأمازون البرازيلية بنسبة 84 في المئة مقارنة بنفس الفترة السنة الماضية. وزادت عمليات قطع الأشجار وحرقها لاستصلاح الأراضي في إندونيسيا ومدغشقر.

Image captionاندلع أكثر من 70,000 حريق في غابات الأمازون البرازيلية عام 2019

ورغم أنه يكاد يكون مستحيلا أن تسقط جميع الأشجار دفعة واحدة على كوكب الأرض، إلا في حالة وقوع كارثة لا تخطر على بال، إلا أن تخيل هذه الصورة الكئيبة للعالم بلا أشجار، كما في فيلم “ماكس المجنون”، قد يساعدنا في تقدير حجم كارثة فقدان الأشجار.

في البداية إذا اختفت الأشجار فجأة ستزول معظم مظاهر التنوع الحيوي على ظهر الكوكب. فإن فقدان البيئة الطبيعية هو المحرك الرئيسي لانقراض الحيوانات حول العالم.

ويقول جيمي بريفديلو، عالم بيئي بجامعة ريو دي جانيرو بالبرازيل، إن تدمير جميع الغابات سيكون له عواقب كارثية على النباتات والحيوانات والفطريات وغيرها. وسيحدث انقراض جماعي لجميع الكائنات الحية محليا وعالميا.

وفي عام 2018، اكتشف بريفديلو وزملاؤه أن مستويات ثراء الأنواع بشكل عام كانت أعلى بنسبة تتراوح بين 50 و100 في المئة في المناطق التي تتناثر فيها الأشجار مقارنة بالمناطق الخالية من الأشجار. ويقول بريفديلو إن الأشجار المتفرقة قد تستقطب التنوع الحيوي كالمغناطيس، فتوفر الموارد اللازمة للحيوانات والنباتات المختلفة للبقاء على قيد الحياة.

اختفاء الأشجار من العالم سيسبب تغيرات مناخية غير مسبوقةمصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionاختفاء الأشجار من العالم سيسبب تغيرات مناخية غير مسبوقة

وسيتغير المناخ تماما على ظهر الكوكب في حالة اختفاء الأشجار على المدى الطويل والقصير. إذ تقوم الأشجار بدور المضخات البيولوجية في دورة الماء، فتسحب الماء من التربة وتطلقه في الغلاف الجوي في صورة بخار ماء. وبذلك تسهم الغابات في تكوين السحب وهطول الأمطار.

وقد تمنع الأشجار الفيضانات عن طريق حجز المياه المتدفقة حتى لا تصب في البحيرات والأنهار، وتعمل على صد العواصف والرياح في المجتمعات الساحلية. وتساعد جذور الأشجار في تثبيت التربة في مكانها وحمايتها من الانجراف بفعل الأمطار وتوفر المأوى للمجتمعات الجرثومية.

وستصبح الأراضي التي اقتلعت منها الأشجار أكثر تأثرا بموجات الجفاف الشديدة. وستزداد الفيضانات، وسيؤثر تآكل التربة على المحيطات والكائنات البحرية. وقد تغرق جزر عديدة بعد أن تقتلع منها الأشجار، التي كانت تحجز مياه المحيط.

ويقول توماس كراوثر، عالم بيئي بالمعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا بزيوريخ: “إن اقتلاع الأشجار سيؤدي إلى غرق مساحات شاسعة من الأراضي في المحيطات”.

وتعمل الأشجار أيضا على تخفيض درجة حرارة الطقس في المناطق التي تنمو فيها. إذ تظلل الأشجار التربة وتحافظ على درجة حرارتها، ويمتص هذا الجزء الداكن من التربة الحرارة بدلا من عكسها. وتستفيد الأشجار من الطاقة المستمدة من أشعة الشمس في تحويل الماء إلى بخار.

ولهذا، فإن الأماكن التي اقتلعت منها الأشجار ستصبح على الفور أكثر دفئا. وفي دراسة أخرى، لاحظ بريفيديلو وزملاؤه أن إزالة الأشجار تماما من مساحة قدرها 25 كيلومترا مربعا أدى إلى زيادة درجة حرارة المنطقة التي اقتلعت منها بمقدار درجتين مئويتين على الأقل. ولاحظ الباحثون وجود تفاوت في درجات الحرارة بين المناطق المزروعة بالأشجار وبين المناطق الخالية من الأشجار.

طريق وسط غابةمصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن إزالة الغابات يسهم بنصيب كبير في انبعاثات الكربون العالمية

وتخفف الأشجار من آثار الاحتباس الحراري الناتج عن تغير المناخ، إذ تختزن الكربون في جذوعها وتزيل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

وأشار تقرير نشرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن إزالة الغابات تسهم بالفعل بنحو 13 في المئة من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، بينما يسهم تغيير أنماط استغلال الأراضي بنحو 23 في المئة من الانبعاثات.

ويقول باولو دودوريكو، أستاذ العلوم البيئية بجامعة كاليفورنيا، إن الأنظمة البيئية التي اقتلعت منها الأشجار ستصبح مصدرا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

ومع الوقت، ستتضاعف كميات الكربون في الغلاف الجوي. وبينما تمتص النباتات الصغيرة الكربون بمعدلات أسرع مقارنة بالأشجار، فإنها تطلقه أيضا في الغلاف الجوي بوتيرة أسرع. وفي غضون عقود ستعجز هذه النباتات عن الصمود أمام آثار الاحتباس الحراري.

وعندما تتحلل النباتات ستطلق كميات هائلة من الكربون في الغلاف الجوي، وسترتفع درجة حرارة الأرض بمعدلات غير مسبوقة، لم نر لها مثيلا منذ ظهور الأشجار. وستتسرب كميات ضخمة من الكربون إلى المحيطات وتسبب زيادة كبيرة في معدلات الحموضة إلى حد أنها قد تقضي على جميع الأحياء المائية باستثناء قناديل البحر.

وسيحصد ارتفاع درجات الحرارة واختلال دورة الماء وفقدان الظلال أرواح المليارات من البشر والمواشي، ولن يجد الكثيرون من العاملين في قطاع الغابات مورد رزق. وسيختفي الحطب الذي يعتمد عليه الكثيرون للطهي وتدفئة منازلهم. وسيصبح الحطابون وصنّاع الأوراق وجامعو الثمار والنجارون وغيرهم ممن يكسبون رزقهم من الأشجار عاطلين عن العمل، وسيكون لذلك تداعيات وخيمة على الاقتصاد العالمي. إذ يوظف قطاع الخشب 13.2 مليون عامل، ويدر 600 مليار دولار سنويا.

وستختل الأنظمة الزراعية أيضا، إذ ستتراجع المحاصيل التي تعتمد على ظلال الأشجار، كالقهوة، وكذلك المحاصيل التي تعتمد على الطيور والحشرات الناقلة لحبوب اللقاح التي تعيش على الأشجار.

وستبور الأراضي التي كانت خصبة في بعض المناطق جراء ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار، بينما ستنمو المحاصيل في مناطق أخرى لم تكن تصلح للزراعة. وستستنزف التربة مع الوقت، ولن يثمر النبات إلا باستخدام كميات ضخمة من السماد. وسترتفع درجات الحرارة إلى حد يستحيل معه العيش والزراعة في معظم المناطق على سطح الأرض.

أما عن التداعيات الصحية، فإن الأشجار تعمل على تنظيف الهواء عن طريق امتصاص الملوثات وحجز الجسيمات الدقيقة في أوراقها وفرروعها وجذوعها، إذ قدر باحثون من هيئة الغابات الأمريكية كمية الملوثات التي تزيلها الأشجار من الهواء بنحو 17.4 مليون طن سنويا في الولايات المتحدة وحدها.