ثمة طبول للحرب تقرع في المنطقة، ويكاد قرعها يصم الآذان، فقد تسارع إعداد المسرح لمواجهات عسكرية محتملة في الفترة القادمة، وأعلنت أميركا، ولأول مرة في تاريخها، عن إنشاء قاعدة عسكرية في صحراء النقب بجنوب فلسطين المحتلة بالقرب من مفاعل ديمونة حيث تقدم هذه القاعدة إسنادا كبيرا لإسرائيل في مجال تعزيز الدفاعات الجوية.
ولا يخفى أن وجود الرئيس الأميركي ترمب يشكل – بالنسبة لإسرائيل – فرصة لن تتكرر لمحاولة فرض حل «تاريخي» والتخلص من أي أعداء محتملين أو مفترضين. فقد بدأ الرئيس الأمريكي رحلة التبرؤ من الإتفاق النووي مع إيران، وتبادل كل من حزب الله واسرائيل التصريحات النارية والتهديدات الإلغائية.
ولا يمكن فصل التوافق الذي حدث بين فتح وحماس أخيراً عن مسرح المواجهات العسكرية المحتملة في المنطقة.
وبعيدا عن غرابة التطورات التي حدثت ومسارعة حماس إلى تقديم كل التنازلات فجأة للرئيس الفلسطيني محمود عباس مما أدى إلى تبلور مشهد أقرب ما يكون إلى المسرح الغرائبي، حيث جلس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والسيدان إسماعيل هنية ويحيى السنوار وكأنهما حلفاء منذ سنوات.
وقد بذلت مصر جهودا كبيرة ومقدرة في سبيل تحقيق المصالحة الفلسطينية إنطلاقا من أنها أفضل وسيلة لحماية مصالح الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، فإن سؤالا مشروعا يبرز من هذا المشهد الذي خرج إلى النور بسرعة فائقة وهو: ما الذي جعل إسرائيل توافق على المصالحة وتسمح – مثلا- لرئيس حكومة الوحدة الفلسطينية وأعضاء الحكومة بدخول غزة وماهي مصلحة إسرائيل في ذلك؟
قد يقول قائل إن الهدف النهائي لهذه التحركات هو إجبار أو إقناع حماس بالتخلي عن سلاحها وفي هذا مصلحة وأية مصلحة لأسرائيل. ولكن السبب قد يكون مرتبطا أيضا بالتحضير لمسرح المواجهات العسكرية القادمة، بمعنى أن إسرائيل تريد ان تضمن حياد حماس على الأقل في أية مواجهة قد تندلع مع إيران وحزب الله.
من جهة أخرى، فإن محللين يقولون إن إسرائيل ترى أن تمدد حزب الله في سوريا وفي مناطق متاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة يشكل خطرا عليها، مع الإشارة إلى إكتساب هذا الحزب خبرات عملية من خلال إنخراطه في الحرب إلى جانب النظام السوري، حيث قدم حزب الله والمليشيات الإيرانية خشبة الخلاص للنظام الذي لم يكن ليصمد لولا هذا الإسناذ.
كما أن تطورات المشهد السوري قد تسهم هي الأخرى في إشعال المواجهات في المنطقة، فقد وصلنا إلى مرحلة إقتسام الكعكة، وها هو كل طرف، بما في ذلك الأميركان والروس والأتراك والأكراد والإيرانيين وأعوانهم وقوات النظام وحتى المنظمات الإرهابية يحاول أن يرسم أماكن وجوده (أو حدوده) ويدافع عنها بالحديد والنار لإنتزاع إعتراف–ولو بالقبول الصامت–بهيمنته أو سيطرته على هذه المنطقة أو تلك.
بمعنى آخر، فإن المسرح مفخخ بكل مقومات المواجهة بين أكثر من طرف وفي كل الإتجاهات ولمختلف الأسباب، وطبول الحرب تكاد تصم الآذان.
والسؤال: هل نحن جاهزون للتعامل مع تداعيات هذه المواجهات العسكرية المحتملة، وأنا لا أقصد هنا الإستعداد العسكري أو الأمني، فهذا الجانب هو نقطة قوتنا التي نباهي بها الدنيا، فقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية قادرة على التعامل مع أية تداعيات قد تواجهنا.
ولكن هل جبهتنا الداخلية محصنة وقوية وموحدة للتعامل مع أية تداعيات قد تفرضها ألغام الإقليم؟
إن الإجابة الصادقة على هذا السؤال تترك في النفس غصة، فالكثير من المؤسسات ليست على مستوى التحدي، ويغلب على أدائها التناحر ومحاولة كل طرف أن يسجل نقطة لحسابه على حساب الأطراف الأخرى، كما أن الثقة في المؤسسات ليست في أحسن حالاتها، إضافة إلى النزوع الجماعي لتضخيم الأمور وإصدار الأحكام المتسرعة والنكوص إلى عصر ماقبل الدولة في حل القضايا.
إن هذه التطورات والأخطار الخارجية مجتمعة لا تشكل مصدر قلق لبلد يحظى بجبهة داخلية واعية متراصة.. ولكن هل ينطبق ذلك علينا؟.