“الأرض هي الوطن والأم والسند فهي التي أشكو لها حزني وفرحي وألمي”، بهذه الكلمات عبرت الحاجة شريفة أبو خضر “أم بلال” عن انتمائها المتأصل في “الأرض”، بيوم ذكراها الـ46.
تسرد أم بلال حكايتها مع الأرض فخورة بما حققته، بعد جهد وتعب متواصلين ليلا نهارا، وهي تسير بين أرجاء أرضها البلاغة مساحتها 13 ونما، وأفنت ربيع عمرها في سبيل إعمارها والاعتناء بها لرعاية أطفالها الـ”12” بعد وفاة زوجها قبل 30 عاما.
كانت الأرض قاحلة، لا تصلح لشيء، لكن سواعد أم بلال حولتها إلى خضراء مزروعة بأصناف مختلفة من الأشجار المثمرة والزيتون، لتكون بمثابة سلة غذائية غنية، ومصدر دخل أساسي لعائلتها.
وَجدت أم بلال نفسها وحيدة بعد انقضاء أيام عزاء زوجها، وفي حاضنتها أطفال أصغرهم يبلغ من العمر “4” أشهر، أخذت تفكر بكيفية إعالتهم، وقررت حينها العمل بالمجال الزراعي والتحسين من وضعها الاقتصادي.
تقول إنها قامت بالحفاظ على الدونمين من الأرض المزروعان بالزيتون، وأما المساحات الأخرى قامت بحراثتها بعد بيع حلي ذهبها، ثم اشترت أصنافا مختلفة من الأشجار المثمرة كالجوافة والأفوكادو والتفاح والحمضيات وزرعتها بشكل منظم يُدر عليها الدخل مستقبلا.
وتضيف: “في كل خطوة أقوم بها كانت الأرض مباركة وتفيض من خيراتها علينا، فكنت أستغل موسم قطاف الزيتون وأبيعه زيتا، وأصنع منه رصيصا ومخللات، واستغل المساحات الفارغة بين الأشجار وأزرعها بالخضار كالكوسا والباذنجان والقنابيط، وأقوم ببيع الناتج بالأسواق بنفسي، بمساعدة أطفالي الذين يعتبرون شركائي بالعمل، كانوا يحضرون صباحا معي ويذهبون إلى مدارسهم من الأرض”.
ما مكنَّ “أم بلال”، من أداء مهمتها بنجاح حرصها على التطوير من مهاراتها العملية بالمجال الزراعي، فحسب قولها كانت تشارك بالدورات التدريبية التي تنظمها مديرية الزراعة أو الجمعيات الزراعية، وتستشير المزارعين، وتستفيد من تجاربهم الناجحة بالزراعة، كما وأنها استعانت بالإنترنت لتعرف أكثر عن مشاكل المزروعات وطرق الري والسماد والحراثة بشكل حديث وسليم.
وبالرغم من أن “ام بلال” حققت حلمها بإعمار الأرض وتربية أبنائها، إلا أنها بقيت الى يومنا هذا متمسكة بها، وترفض بيع شبر منها أو الجلوس بالمنزل بعيدا عنها، إيمانا منها بأن الأرض هي الوطن، ولا يمكن التفريط بحفنة واحدة منها.
تشير إلى أن “المزارع الفلسطيني يتمسك ويدافع عن أرضه بكل قوته الى آخر نفس يعيشه على هذه الأرض، فأنا لا أستطيع الاستغناء عنها، يوميا يحب أن أحضر إليها لأستنشق هوائها وأحيا بربيعها، وعلينا جميعا استثمارها وزراعتها وعدم السماح لأحد بالسيطرة عليها”.
ما قامت به “أم بلال” جعلها أيقونة للنضال في الأرض، فقد تم اختيارها “الأم النموذجية في المجال الزراعي” عام 2019 من وزارة الزراعة، كما وتم تكريمها ضمن النساء الرياديات بالقدس، ويتم دعوتها في المدارس والجمعيات الزراعية لتتحدث عن الزراعة والقدرة على إدارة الأرض.
تشير إلى أن من كان يشجعها على مواصلة عطائها تفوق أبناءها دراسيا، فمنهم من اكتفى بالثانوية العامة وشق طريقه إلى جانب والدته بالمجال الزراعي، ومنهم من أكمل مسيرته الجامعية، وجميعهم الآن متزوجون، ولهم أبناء يساعدون جدتهم في الزراعة ويقفون إلى جانبها.
قضت أم بلال ليلها ونهارها في الأرض لتلبية حاجات أسرتها من الطعام ومتطلبات الحياة، وامام هذه المسؤوليات والأعباء الجسام لم تنسَ مهمتها كـ”أم” أيضا، ورغم التعب لكن كانت فرحتها عظيمة برؤية أبنائها يكبرون أمامها وتوفر لهم احتياجاتهم بلا مساعدة أحد، ووفرت لهم ولأبنائهم رزقا ثابتا يتمثل بالأرض.