تغير المناخ! من يهتم؟
عبد الهادي النجار
أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرها الخاص حول “الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية”. وتضمن التقرير مجموعة من الرسائل إلى الرأي العالمي وقادة الدول حول عواقب تغير المناخ التي نشهدها الآن كالظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع منسوب سطح البحر، وانكماش الجليد البحري في المناطق القطبية.
وفيما اعتمدت اتفاقية باريس هدفاً طموحاً بحيث لا يتجاوز ارتفاع درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية مقارنةً بمستويات ما قبل النهضة الصناعية، مع ما تعنيه هذه الزيادة من أضرار كبيرة تصيب النظم البيئية، فإن تعهدات الدول بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري لاتزال تدفع كوكب الأرض باتجاه كارثي تصل فيه زيادة الحرارة إلى 3.2 درجة مئوية مع نهاية هذا القرن.
ينطوي فارق نصف درجة، ما بين 1.5 و2 درجة مئوية، على مضاعفات بيئية خطيرة. فعدد الناس الذين يتعرضون لموجات حر شديدة سيزداد من 14 إلى 37 في المئة من تعداد سكان الأرض، وسيرتفع عدد الأنواع الحية التي تفقد موائلها ما بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، وسيتناقص إنتاج المصائد السمكية بمقدار مرتين. ولنا أن نتخيل وضع العالم إذا تجاوزت الزيادة في نهاية القرن عتبة ثلاث درجات مئوية بدلاً من تحقيق الهدف المناخي المتمثل بدرجة ونصف فقط.
وعلى الرغم من أن سيناريو 1.5 درجة مخيف بما فيه الكفاية، فإن ردود الفعل تجاه التحذيرات باندفاعنا نحو الأسوأ لاتزال مخيبة للآمال، بل تعبر عن سلوك انتحاري عصي على التعليل أو التبرير. قلة من وسائل الإعلام اهتمت بالتقرير الأخير للهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ، فاجتزأت البيان الصحفي وعرضته في الصفحات الداخلية للصحف أو ضمن ملحق إخباري مصور لا تزيد مدته عن خمس دقائق، ذلك أن الحروب العبثية والتجاذبات السياسية أولى بالاهتمام من كارثة تهدد الكوكب بما عليه!
أما على المستوى الحكومي، فلا توجد أفعال مؤثرة تنسجم مع تقارير الأمم المتحدة المتعاقبة، ويطغى على الأداء الرسمي تضخيم الإنجازات وتقاذف المسؤوليات. ومع التخاذل الواضح الذي عكسته السياسات البيئية مؤخراً في فرنسا وألمانيا، وسابقاً في كندا وأوستراليا، أضحى التهاون في مواجهة تغير المناخ سمةً عامةً لجميع الحكومات، سواء أكانت محافظةً أم متحررةً. وأخذنا نشهد يوماً بعد يوم صعوداً لسياسيين يعلنون من دون مواربة إنكارهم للدور البشري في تغير المناخ، ابتداءً برئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب وانتهاءً بالرئيس البرازيلي المنتخب جايير بولسونارو.
ويرى كثيرون أن تغير المناخ قضية يمكن إدراجها ضمن الصراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير، فالدول الغربية تحاول التملص من مسؤولياتها لأن الجغرافيا والدخل يصنعان فارقاً لصالحها لا يمكن إنكاره. البلدان الغربية مستعدة لتغامر ببعض الضرر في مقابل الحفاظ على صناعتها حرةً من أية قيود، وفي المقابل نجد الدول النامية أكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ حيث لا تملك البنية التحتية أو الوسائل التقنية لتلطيف هذه المخاطر، خاصةً مع اتساع التصحر في أراضيها وطغيان البحر على سواحلها.
إن الشركات الضخمة وكبار الأثرياء حول العالم استفادوا بشكل كبير من إطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الجو، فأكثر من 70 في المئة من الانبعاثات العالمية خلال السنوات الخمسين الماضية كانت نتيجة عمل 100 شركة كبرى فقط، كما أن طبقةً من الأغنياء، تُشكل 10 في المئة من تعداد سكان العالم، مسؤولة عن نحو 50 في المئة من الانبعاثات الناتجة عن نمط المعيشة كالتدفئة والإنارة والنقل واللباس، في حين يتسبب 50 في المئة من السكان الأفقر حول العالم بـ 10 في المئة فقط من هذه الانبعاثات.
تغير المناخ ليس تحدياً لجميع البشر، بل هو صراع ضد مجموعة صغيرة تعتقد أن الانتقال إلى عالم أكثر استدامة يهدد قدرتها على الاستمرار في مراكمة البلايين ضمن حساباتها البنكية، بغض النظر عن ملايين الأشخاص الذين سيعانون نتيجة ذلك. هؤلاء قادرون على تضليل الرأي العالمي من خلال توجيه وسائل الإعلام وإقحام الشك في الدراسات العلمية، وهذا يعني أن مواجهة الكارثة مسألة شائكة تتطلب جهداً منسّقاً بين الفئات المتضررة لتحقيق التغيير المطلوب، لكن هل من يهتم؟