اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة
م.خالد العنانزة
احتفل العالم قبل أيام باليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة الذي يصادف 6 تشرين الثاني من كل عام ،وهذا اليوم يعتبر وسيلة مهمة للاعتراف بالآثار المدمرة للحروب والنزاعات المسلحة على البيئة وكيفية تضامن وتكامل المجتمع الدولي للحد من هذه الآثار أو تخفيفها.
إن الروابط بين النزاعات والبيئة متبادلة التأثير فمن ناحية كانت القضايا البيئية ولا تزال تمثل أسبابا» للصراع فالتنافس على احتياجات النفط والغاز والمياه والخشب والمراعي يؤدي في كثير من الأحيان إلى نشوب الحروب والصراعات ومن ناحية أخرى تؤدي النزاعات إلى نزوح السكان وتدهور في الخدمات البيئية ، ويشير تاريخ الحروب والصراعات المسلحة إلى أن البيئة الطبيعية تعرضت للعديد من الانتهاكات على مر التاريخ فكثيرا» ما كان تلويث الآبار، وإحراق المحاصيل، واجتثاث الغابات، وتسميم الأراضي، وقتل الماشية وسيلة من وسائل تحقيق المكاسب العسكرية، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما شهدته الحربان العالميتان الأولى والثانية من تدمير للأراضي الزراعية وتلوث البيئة بالغازات السامة ومخلفات الحروب ، كما نتج عن حرب فيتنام (1961-1973) تدمير الغابات والمساحات الخضراء وتحويلها إلى مناطق جرداء نتيجة استخدام (العامل البرتقالي) لإسقاط أوراق الأشجار وكشف المقاتلين .
وبالتوازي مع التقدم في تكنولوجيا الحرب شهد عام 1972 ولادة القانون البيئي الدولي المتمثل بإعلان استكهولوم لحماية البيئة العالمية والذي تمخض عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية ومن الانجازات الأخرى لهذا المؤتمر إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (اليونيب) .
لقد انعكست المخاوف البيئية التي أثيرت عقب حرب فيتنام واللاحقة لإعلان استكهولوم إلى تضافر جهود المجتمع الدولي في عام 1977حيث نتج عنها إقرار اتفاقية بشأن حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى. وغالبا ما يشار إلى هذه الاتفاقية بمعاهدة «التغيير البيئي».وتشمل التقنيات المنصوص عليها في الاتفاقية كل أسلوب يستخدَم لإحداث تغيير «عن طريق التحكم عن قصد بالعمليات الطبيعية أو ديناميكيات الأرض أو تركيبها أو بنيتها» بما في ذلك نباتاتها وحيواناتها وجزء اليابسة منها وغلافها المائي أو الجوي .وتعهدت كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بعدم استخدام تقنيات تحدث تغييراً في البيئة «تكون له آثار واسعة الانتشار أو طويلة الأجل أو شديدة كوسيلة لإلحاق الدمار أو الخسائر أو الأضرار بأية دولة أو طرف أخر.
لقد فشلت جميع المحاولات السابقة في التوصل إلى تدابير ملزمة لحماية البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة ولعل الكثير منا يتذكر الصور المروعة للدمار البيئي المتمثل بتدمير متبادل لمنشات النفط وتجفيف الأراضي والمستنقعات وتسرب النفط وتلوث الخليج العربي في الحرب العراقية الإيرانية وإحراق المنشات النفطية الكويتية أثناء حرب الخليج الأولى وتلوث البيئة بالإشعاع الناتج من استخدام معدات وذخائر اليورانيوم المستنفذ في حرب الخليج الثانية، وتلوث الهواء وتقطيع الأشجار وإتلاف التربة وتدمير التنوع الحيوي في أرجاء واسعة من العالم في كوسوفو وزائير ورواندا ونيكاراجوا وغيرها .
ويشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة(UNEP) إلى( انه في السنوات الستين الأخيرة كانت نسبة 40% على الأقل من مجموع الصراعات والحروب التي وقعت بين الدول لها صلة بالموارد الطبيعية)، ومنذ عام 1990 كان استغلال الموارد الطبيعية سواء كانت موارد عالية القيمة مثل الأخشاب والماس والذهب والمعادن والنفط أم موارد شحيحة مثل الأراضي الخصبة والمياه سببا» في تأجيج 18 نزاعا «عنيفا» على الأقل ، ويعتبر تغير المناخ أيضا» عاملا «مضاعفا» للخطر حيث يؤدي إلى تفاقم الأخطار الناجمة عن استمرار الفقر أو ضعف مؤسسات إدارة الموارد. وفي إعلان ريو 1992 تضمن نصا يقول :(الحرب هي بالأساس تدمير للتنمية المستدامة ، لذلك يجب على دول العالم أن تحترم القانون الدولي الذي يتضمن حماية البيئة في أوقات النزاع المسلح وتتعاون في تطويره كلما كان ذلك ضروريا» ).
إن قضية حماية البيئة في النزاعات والصراعات المسلحة كانت موجودة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية منذ بداية القرن الماضي في اتفاقيات جنيف ولاهاي ولو لم يشار لها صراحة إلا أن إدماج البيئة بشكل واضح في القانون الدولي والمعاهدات الدولية لم يتم إلا بعد أن تفاقمت المشكلات البيئية في السبعينيات من القرن الماضي وما نتج عن الحروب والصراعات من اعتداءات صارخة على البيئة.
يهدف القانون الدولي إلى حماية السكان المدنيين خلال النزاعات المسلحة وضمان بقائهم على قيد الحياة، كما يسعى إلى حماية البيئة الطبيعية التي من دونها تكون الحياة البشرية مستحيلة ويراعي القانون الدولي الإنساني حماية البيئة من ناحيتين؛ أولاً، بموجب أحكامه العامة، وثانياً، من خلال بعض الأحكام الإضافية الخاصة.وتنطبق الأحكام العامة المتعلقة بسير العمليات العدائية على البيئة، إذْ تكون البيئة في الغالب ذات طبيعة مدنية ولا يمكن بالتالي شن هجمات ضدها إلا في حال تم تحويلها إلى هدف عسكري. كما يتعيّن مراعاة التدمير الذي تتعرض له البيئة عند تقييم مدى التناسب في الهجوم على أهداف عسكرية .ويعتبر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 جريمة حرب كل الأعمال التي تلحق ضررا واسع النطاق وطويل الأجل وشديدا بالبيئة الطبيعية وينتهك مبدأ التناسب.
وفي عام 2009 قدم برنامج الأمم المتحدة للبيئة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومعهد القانون الدولي تحليلا شاملا لمجالات حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة في القوانين الدولية وشمل التحليل القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي والاتفاقيات والمعاهدات البيئية الدولية .
وفي هذه الأيام التي نحتفل بها باليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة لا بد أن نستحضر معا ما تتعرض إليه البيئة في سوريا وليبيا من دمار وضرر بسبب استخدام الأسلحة التقليدية والمحرمة، فقد تلوثت الأراضي والمياه وتلوث الهواء والنبات وأصبحت مخلفات دمار الأبنية السكنية ومخلفات الحروب والقذائف تغطى على كل الصور .
* رئيس اللجنة العلمية لجمعية البيئة الأردنية