شريط الأخبار

النبات أكسير الحياة ودعوات للارتقاء بالوعي بسلامة التنوع الطبيعي

نافذة البيئة والتنمية-بشرى نيروخ-

وحدها الحقيقة العلمية القائلة، إن النبات يوفر للبشرية نحو 80 بالمئة من طعامها والمصدر الرئيس لإكسير حياتها من الأوكسجين، تضفي بعدا استثنائيا على مهمة الحفاظ على صحة النبات في العالم.

هذه الحقيقة دفعت الجمعية العامة للامم المتحدة الى إعلان الثاني عشر من أيار يوما عالميا للصحة النباتـية والذي يصادف اليوم الخميس، وغاية هذا الإعلان الارتقاء بمستوى الوعي الانساني بكيفية مساهمة الصحة النباتية في القضاء على الجوع والحد من الفقر وحماية التنوع البيولوجي والبيئة وتحفيز التنمية الاقتصادية.
ويشير خبراء بهذه المناسبة إلى أن الآفات والأمراض النباتية تتسبب سنويا بنحو 40 بالمئة من الخسائر في المحاصيل الغذائية، ما يؤثر على الأمن الغذائي والزراعة، في حين تعتبر الأخيرة المصدر الرئيسي للدخل في المجتمعات الريفية الضعيفة.
ويلاحظ خبراء متخصصون في الزراعة والبيئة والصحة العامة، أن تغير المناخ وأنشطة الإنسان أديا إلى تغيير النظم الإيكولوجية وإلحاق الضرر بالتنوع البيولوجي، وإيجاد ملاذ جديد تتكاثر فيه الآفات.
ويؤكدون ان الرحلات والتجارة الدولية التي زاد حجمها ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي، فاقمت انتشار الآفات، فضلا عن أن هيمنة الوباء خلال العامين الماضيين، صرفت انتباه العالم عن مكافحتها.
ويبدو على جانب كبير من الأهمية ما ورد على لسان رئيس قسم وقاية النبات في كلية الزراعة في الجامعة الاردنية الدكتورة خلود محمد العنانبة، وهي توضح أن دراسات متعددة أثبتت ان النباتات بشكل عام والداخلية منها بشكل خاص، تقدم فوائد نفسية وجسدية وتبقي الانسان اكثر صحة وسعادة، فهي قادرة على تحسين الحالة المزاجية، وتقليل التعب والتوتر والقلق، لافتة الى أنها تعد منظفات فعالة للهواء وتكافح أسباب الصداع.
وفي توضيحها لذلك تقول العنانبة، ان النباتات تطلق بخار الماء في الهواء ما يزيد من الرطوبة التي تخفف من جفاف الجلد وامراض الجهاز التنفسي والحساسية، وعليه فقد اوصت وكالة الفضاء الاميركية(ناسا) بامتلاك 15-18 نباتا منزليا لمنزل تبلغ مساحته 167 مترا مربعا.
اردنيا، تشير الخطة الوطنية للزراعة المستدامة 2022- 2025 الى تحديات أبرزها التغيرات المناخية ومحدودية موارد المياه، وتلك الناجمة عن عدم الاستقرار الاقليمي وعدم توفر مصادر التمويل للمشاريع الرأسمالية، إضافة الى ضعف البنى التحتية للتسويق الزراعي وتعدد مرجعيات منظمات المزارعين.
ويعرف الخبير المعتمد في صحة النبات واستاذ امراض وصحة النبات الدكتور فراس ابو السمن، “صحة النبات” بأنها قدرة النبات على القيام بوظائفه الفسيولوجية المختلفة على أتم وجه، وبما يتناسب مع امكاناته الوراثية.
ويشير أبو السمن في هذا الصدد وهو رئيس قسم الانتاج النباتي الاسبق في كلية الزراعة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية، إلى أنه يمكن تقسيم العوامل المؤثرة في صحة النبات الى عوامل حيوية وأخرى غير حيوية، موضحا أن العوامل الحيوية تتضمن مسببات الأمراض النباتية من فطريات، وشبيهات الفطريات والبكتريا والفيروسات والفيرويدات والنيماتويد، كما تشكل الحشرات والأعشاب عوامل حيوية مهمة جدا في التأثير سلبا على صحة النبات.
أما العوامل غير الحيوية التي تؤثر سلبا أو ايجابا في صحة النبات فتتضمن عوامل عدة منها خصوبة التربة وتوفر العناصر الغذائية اللازمة لنمو النبات، اذ يعتبر نقص بعض هذه العناصر المعدنية من أهم مشاكل صحة النبات، حسب أبو السمن.
ويلفت الى أن من أهم العوامل المؤثرة في صحة النبات، تلك المرتبطة بظروف الطقس والمناخ، مثل درجات الحرارة والجفاف والصقيع والرياح والبرد وغيرها، كما تؤثر ملوثات البيئة من مواد كيماوية وغازات سامة، والاستخدام المكثف او الخاطئ لمبيدات الآفات سلبا على صحة النبات.
ويؤكد ابو السمن أن الممارسات الزراعية والتطورات التي استحدثت في الأنظمة الزراعية خلال القرن الفائت والتي كانت تهدف الى زيادة إنتاج الغذاء كان لها في كثير من الأحيان آثار سلبية وأحيانا مدمرة على صحة النبات من ابرز ها انحسار التنوع الوراثي في المحاصيل الزراعية وفقدان الكثير من الموارد الوراثية المهمة في عمليات التحسين الوراثي للنباتات والتي كانت تزودها بوسائل دفاع طبيعية لمقاومة الآفات النباتية والعوامل غير الحيوية مثل الجفاف.
ويشير إلى أن صحة النبات تتعرض للتهديد بشكل متزايد بسبب التغيرات المناخية والأنشطة البشرية والتغيرات في النظم البيئية، ونقصان التنوع الحيوي وخلق مجالات جديدة للآفات التي تؤثر في صحة النبات ما يجعلها تتكاثر وتصبح اكثر شراسة.
ويضيف، إن توسع التجارة خلال العقدين الاخريين أدى الى الانتشار السريع والمدمر لحشرة صانعة أنفاق البندورة وهي آفة دخيلة وتسببت بخسائر اقتصادية كبيرة على المستوى المحلي والعالمي، اضافة الى حشرة سوسة النخيل الحمراء، وهي ايضا آفة دخيلة وتهدد حاليا صحة اشجار النخيل في المنطقة العربية واجزاء أخرى من العالم.
وأشار كذلك الى المرض البكتيري المتسبب عن بكتريا زيليلا فاستيديوزا والذي دمر مساحات شاسعة من زراعات الزيتون وأشجار الفاكهة الأخرى في العديد من الدول الأوروبية خلال العقد الفائت، وأمراض جذع العنب الفطرية والتي انتشرت بشكل كبير خلال العقد الفائت، وكان لها آثار مدمرة على صحة أشجار الكرمة، فضلا عن ان كثيرا من الفيروسات النباتية انتشرت بسرعة كبيرة وكان لها تأثيرات مدمرة على صحة النبات في العالم.
ويعيد ابو السمن التذكير بأهمية مقولة “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، حيث للحكومات دور في الحفاظ على صحة النباتات من خلال سن التشريعات التي تقلل من الآثار السلبية على صحة النبات، خصوصا تلك المتعلقة بالحفاظ على التنوع الحيوي وإجراءات الحجر الزراعي لمنع دخول آفات وأمراض نباتية غير موجودة فيها أصلا، إضافة الى التعامل مع خفض أثر الآفات والأمراض النباتية وتجنب استخدام المواد السامة عند التعامل مع هذه الآفات.
استاذ الامراض النباتية والفطريات في الجامعة الاردنية الدكتور احمد الرداد المومني، يشدد على أهمية اخذ الاحتياطات الضرورية للمحافظة على جودة المنتج الغذائي من حيث خلوه من متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة عند اي محاولة للحد من الافات ومكافحتها.
ويدعو المومني المزارعين الى توخي الحيطة والحظر باختيار الطرق الصديقة للبيئة في مكافحة الافات الزراعية والاستخدام الآمن للمبيدات عند الضرورة وبالحد الادنى، وانتظار فترة الامان قبل قطف المحصول للحد من متبقيات المبيدات الجهازية في الثمار والتي قد تتسبب بآثار سلبية على الانسان والبيئة.
ويؤكد ضرورة استخدام الزراعة العضوية والتقليل ما امكن من استخدام المركبات الكيماوية بما فيها الأسمدة والمبيدات والهرمونات للوصول الى منتج عالي الجودة وتقديم منتج قادر على المنافسة في التجارة الداخلية والتصديرية.
في حين، يعتبر نقيب المهندسين الزراعيين عبد الهادي الفلاحات سابقا، أن المحافظة على الغابات والنباتات بأنواعها كافة وديمومتها وتوسيع مساحاتها تعتبر من اهم عوامل مواجهة التغيرات المناخية التي يلمس آثارها العالم.
ويعتبر الفلاحات أن المحافظة على البيئة من التدهور تعد حاجة وطنية، كما ان المحافظة على النباتات والاهتمام بسلامتها من الامراض والآفات مسؤولية مجتمعية، داعيا مراكز البحوث القطرية والعالمية إلى توجيه جهودها الى استنباط اصناف اكثر مقاومة للامراض والتغيرات المناخيةالمحافظة على الاصناف الموجودة حاليا.
على أن الدكتورة مسنات الحياري، وهي خبيرة اقتصادية ومديرة مديرية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في المركز الوطني للبحوث الزراعية، تركز على الاستثمار في الابتكارات والبحوث في مجال الصحة النباتية، حيث تعرف التكنولوجيا الزراعية بأنها تطبيق الأدوات التكنولوجية الحديثة في التحكم في نمو وإنتاج النباتات.
ولا يقتصر الأمر على أن ضبط معايير إضافة الأسمدة إلى المحصول بأكمله أو المبيدات الحشرية في الماضي، بل أصبح بإمكان المزارعين اليوم بفضل تقنية الرصد الآلي وأجهزة الاستشعار إضافة الأسمدة أو المبيدات حسب الحاجة في المساحة اللازمة من الأرض، وليس على الأرض بأكملها، والأهم من ذلك، يمكن للمزارعين معالجة حالات معينة من النباتات الفردية وبالتالي توفير الكثير من الأسمدة والمبيدات، بحسب الحياري.
وينعكس استخدام التكنولوجيا في الزراعة بشكل رئيسي على تحسين إنتاجية المحاصيل، وتقليل استهلاك المياه والأسمدة والمبيدات الزراعية للحصول على منتجات أرخص وحماية البيئة من خلال تقليل التفاعل بين المبيدات الكيميائية والتربة والمياه الجوفية، وسلامة العمال الزراعيين وبالتالي إدارة البيئة والموارد الصناعية بحرفية أكبر.
وتسوق الحياري أمثلة على التكنولوجيا الزراعية مثلحساسات المياه والتربة حيث تستخدم أجهزة الاستشعار هذه لتحديد محتوى الرطوبة والنيتروجين في التربة، كما يستخدم المزارعون هذه المعلومات لتحديد وقت الري المناسب ووقت التسميد، ومحطات تتبع الطقس وربما يكون العامل الأكثر أهمية في جودة التربة التي تؤثر على الزراعة والمزارعين تقلبات الطقس والمناخ، لذلك يجب أن يكون لدى المزارعين دائما فهم أساسي للطقس في منطقة الزراعة وتقلباته المحتملة على مدار العام.
وتشير إلى التطبيقات على الهواتف الذكية، إذ توفر التكنولوجيا الزراعية الآن أيضا العديد من المواقع الإلكترونية التي تستهدف على وجه التحديد الطقس وتقلباته، لأن هذه المواقع والتطبيقات يمكن أن توفر معلومات حول الحرارة والأمطار والصقيع المحتمل ما يمكن المزارعين من اتخاذ التدابير المناسبة لتقليل الضرر أو الخسارة المحتملة.
على ان التغير المناخي الذي يشهده العالم اليوم، دفع كثيرا من الدول إلى السعي للانتقال إلى الاقتصادات الخضراء والصديقة للبيئة، وهذا يشمل تطوير تكنولوجيات جديدة أقل اعتمادا على الكربون والدفع بإصلاحات شاملة في قطاعات الطاقة والنقل وبما يوفر آلاف الوظائف الجديدة.
وكان للمركز الوطني للبحوث الزراعية دور هام وكبير في ادخال التكنولوجيا الى الزراعة بهدف تحسين نوعية المنتج وزيادة انتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية بالاضافة الى تقليل تكاليف الانتاج وتقليل استخدام المياه.