التغير المناخي وراء الأمطار الوميضية ومطلوب إجراءات فعلية لمواجهة أخطارها
خبراء: السيول والفيضانات لم تعد مستغربة وعلينا توقع الكثير مستقبلا
حذر خبراء بيئيون من تكرار الفيضانات الوميضية التي شهدتها المملكة خلال اليومين الماضيين، والشهر الماضي، اذا لم يتم اتخاذ إجراءات حكومية فعالة للتعامل مع ظاهرة التغير المناخي، والتي تعد واحدة من أسباب هذا النوع من الأمطار.
وفي رأي هؤلاء، فإن “ما شهدته المملكة من سيول وفيضانات “لا تعد حوادث مفاجئة”، كما وصفتها الحكومة، في تصريحات رسمية، وإنما متوقعة بحسب تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والصادر مطلع تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، والذي ساهم في إعداده آلاف العلماء.
ويشير التقرير الى أن المنطقة العربية ستشهد ازديادا في حدة الطقس، رغم أن “الدراسات الحكومية المحلية والعالمية، تحدثت عن موجات جفاف، ستكون حدتها ثلاثة أضعاف الحالي حتى نهاية القرن”.
ومن وجهة نظر الخبيرة في الشأن البيئي صفاء الجيوسي، فإن هذا لا يعني أن نغض الطرف عن موضوع السيول والأمطار، لأنه وبحسب التقرير السابق، وتقرير البلاغات الوطني الثالث، الصادر عام 2014، “ستكون الأجزاء الشمالية من العقبة أكثر المناطق عرضة للمخاطر الناجمة عن السيول المفاجئة flashfloods كونها تقع باتجاه مجرى النهر من مناطق الوديان الرئيسية”.
وبينت الجيوسي أن “الحكومة ليس لديها دراسات كافية حول اسباب الفيضانات وتأثيرها في الاردن، رغم انها مثبتة علميا، اذا ان الهطل المطري سيقل، ولكن حدته ستزيد، وهو ما ينطبق على كافة الدول العربية”، معربة عن “أسفها من عدم اتخاذ خطوات فعلية من الحكومة بعد اطلاق تقرير البلاغات، بل تتعامل مع ما يجري حاليا وكأنه مفاجأة لا تعلم عن حدوثه، رغم أن العديد من الخبراء سبق وأشاروا الى تبعات ظاهرة التغير المناخي منذ أكثر ما يزيد على عشر سنوات”.
وبعد اتفاق باريس للتغير المناخي، لم يعد “هناك مجال للنقاش حول الارتباط بين ظاهرة التغير المناخي وما يحدث من فيضانات وغيرها، فتقرير الهيئة الحكومية المعنية بالمناخ، اثبت هذا الامر وبشكل علمي واضح، ما لا يضع مجالا للشك حوله”، كما تقول الجيوسي.
وفي تقرير المساهمات المحددة وطنيا لم “يتم الإشارة الى الأمطار الوميضية سوى بعبارتين فقط”، وفق الجيوسي، التي أضافت أن “كافة الاجراءات المشار اليها في التقرير ستكون من الآن ولغاية العام 2030″، متسائلة “هل لدينا الوقت الكافي للانتظار حتى نهاية عام 2030 لاتخاذ الاجراءات، رغم أن التغير المناخي وتأثيراته حاصلة الآن، ورغم أن هناك حاجة ملحة لإنشاء نظام الانذار المبكر للفيضانات والكوارث، وأن تكون الأبنية مقاومة لتلك الانعكاسات السلبية”.
وبحسب آخر تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) فإنه اذا “تم الحد من ارتفاع درجة الحرارة ما قبل الثورة الصناعية بـ 1.5 درجة مئوية او درجتين فسوف يؤدي الى ان يرتفع عدد المناطق التي ستعاني من جريان المياه Runoff والفيضانات الخطرة Hazard Floods، وهذا يعني انه اذا لم يتم الحد من التغير المناخي فسوف يعاني الاردن من تبعاته”.
على أن الحكومة قامت خلال الفترة الماضية بتقديم مشروعات لمشاريع تتعلق بالتغير المناخي لصندوق المناخ الاخضر، الا أنه “ولغاية هذه اللحظة لم نحصل على رد بشأن التمويل الخاص بتنفيذها”، وفق أمين عام وزارة البيئة أحمد القطارنة.
واكد القطارنة، في تصريحات لـ “الغد” أن “الوزارة أخذت بعين الاعتبار تبعات ظاهرة التغير المناخي على المملكة، إذ لديها علم مسبق بأبعادها، ومن خلال تقرير البلاغات الوطني الثالث، سيكون هناك مشاريع للتكيف مع تغير المناخ، ليس فقط داخل العاصمة عمان، وإنما في مختلف مناطق المملكة”.
ومن هذه الإجراءات “تهيئة البنية التحتية لاستيعاب كميات الأمطار التي تشهدها المملكة”، بحسبه، ولكن لا يمكن تنفيذ هذه المشاريع خلال فترة وجيزة، اذ تحتاج الى وضع خطط تغطي كافة المناطق المستهدفة، وتأمين التمويل اللازم لتنفيذها.
وبين القطارنة ان “الفيضانات الوميضية هي من التأثيرات المباشرة لظاهرة التغير المناخي، خصوصا في البيئات الهشة مثل الاردن، في وقت تقوم الوزارة وبشكل تشاركي لوضع الحلول مع البنك الدولي، لإنشاء نظام إنذار مبكر”.
وأكد أن “وزارة البيئة تقوم بإعداد الخطط والتقارير، وتأمين التمويل لها، ولكن لا يوجد لها تنفيذ على ارض الواقع، ومسؤولية ذلك تقع على تعاون المؤسسات الحكومية المختلفة، مثل وزارات الزراعة والأشغال العامة، والشؤون البلدية، والمياه والري”.
وسيلزم؛ وفق تقرير الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ، تخفيض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بشرية المنشأ على نطاق العالم بنسبة 45 % تقريبا بحلول عام 2030، قياسا بمستويات 2010، لتصل الى معدل “صفري صاف” عام 2050، ما يعني أن اي انبعاثات متبقية، لا بد وأن يعوضها إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء.
“وليس هنالك مجال للشك في أن الظواهر التي يشهدها الأردن وبصورة مكثفة في الفترة الأخيرة، مرتبطة بالتغير المناخي، وهذا ليس فقط من وجهة نظر علمية بل منطقية، والذي بات معها من الضروري التصرف مبكرا لئلا نندم فيما بعد”، وفق رئيس جمعية الجيل الأخضر د. ضياء الروسان.
ومن وجهة نظر الروسان فإن هذا يستدعي “من الجهات الحكومية التحرك على كافة الأصعدة بدءا من رفع كفاءة البنية التحتية، ووضع خطط لمواجهة أو التكيف مع ظاهرة التغير المناخي”، محذرا من أن “الاردن لن يشهد موجة من الفيضانات نتيجة التغير المناخي فقط، الذي يعد احد المؤشرات لتلك الظاهرة، ومعدل تكرارها زمنيا بات قصيرا، بل ثمة موجات حر ستكون من ضمن النتائج المنبثقة عن الاحتباس الحراري، والتي اصبح يتجاوز عددها أكثر من سبعة، وضمن فترات غير متباعدة”.
ولفت الى أن “حرائق الغابات التي حدثت في بعض مناطق المملكة، ليس فقط نتيجة التصرفات والأخطاء البشرية، بل ان تقرير الهيئة الحكومية المعنية بالمناخ الاخير، وغيرها من التقارير، تتحدث جميعها عن ارتفاع معدل هذه الحرائق في العالم نتيجة موجات الحر المتكررة”.
ولا تقتصر مؤثرات التغير المناخي، بحسب الروسان، على تلك الحوادث، بل ستتراوح ما بين النقصان في التنوع الحيوي، وانتشار العديد من الامراض، والتي قد يكون بعضها جديدا”، مؤكدا أن “الاردن عليه مراعاة التراجع في الدعم الدولي المتعلق بمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وبذل المزيد من الجهود في الاعتماد على مصادر الدخل الداخلية، وفي حال لم يتمكن من مواجهة هذه الظاهرة، عليه بالعمل أكثر على موضوع التكيف”.
ويشير تقرير (IPCC) الذي سيمثل إسهاما في مؤتمر المناخ العالمي ببولندا، المزمع انعقاده في كانون الأول (ديسمبر) المقبل؛ الى أنه عند السماح لدرجات الحرارة العالمية، بعدم تجاوز 1.5 درجة مئوية مؤقتا، فهذا يعني الاعتماد بصورة أكبر على تقنيات ازالة الكربون من الهواء، لتخفيض الزيادة في درجات الحرارة العالمية لأقل من 1.5 بحول 2100، في وقت لا توجد فيه أدلة على فعاليتها على نطاق واسع، ولعل بعضها ينطوي عل مخاطر كبيرة على التنمية المستدامة”
“والاردن سيعاني من الفيضانات والامطار الغزيرة المفاجئة، وان حدة الطقس بسبب التغير المناخي لن تكون فقط على شكل جفاف شديد بل ايضا على شكل امطار وفيضانات، والحكومة على علم بذلك منذ سنوات”، وفق مدير برامج الطاقة والمناخ في مؤسسة فريدريش ايبرت الالمانية حمزة بني ياسين.
وقال بني ياسين، ان الحكومة تحصل على تمويل خلال مناقشات التغير المناخي ومنذ اكثر عشر سنوات، بناء على ما تقدمه من مداخلات لمواجهة تأثيرات تلك الظاهرة، لكننا لم نر أي اصلاح في البنية التحتية”.
وفي رأيه، “لا يزال الحديث سابقا لأوانه لإعطاء حكم علمي ودقيق عن الرابط بين الفيضانات الومضية التي شهدتها المملكة اليومين الماضيين، وأواخر تشرين الثاني (اكتوبر) في البحر الميت، مع التغيرات المناخية التي يشهدها العالم”.
وأوضح أن “عملية الربط تحتاج لوقت اطول لمراقبة هذه الفعاليات بشكل دقيق من حيث الوتيرة والكثافة وكمية الهطل، الا أن هناك مؤشرات تم التنبؤ بها سابقا حول احتمالية حدوث مثل هذه الانعكاسات لظاهرة التغير المناخي، ولا سيما في تقرير البلاغات الاردني الثالث”.
وطالب بني ياسين “بضرورة تقييم التأثيرات البيئية وايجاد مواطن الضعف في الادارة التي يجب أن تؤخذ بجدية أكثر، اذ يبدو أن تأثير التغير المناخي يصبح أكثر فأكثر وضوحاً مع مرور الوقت”.
واظهرت نتائج تقرير (IPCC) وجود “آثار تغير مناخي يمكن تجنبها، والابقاء على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية بدلا من اثنتين، كتدني نسب الشعاب المرجانية بما يتراوح بين 70 – 90% في ظل درجة حرارة 1.5، في حين ستختفي كليا اذا ارتفعت حرارة الارض الى اكثر من درجتين مئويتين.
وبدورها اعتبرت رئيسة جمعية دبين للتنمية ومنسقة تحالف الجمعيات من أجل الغابات هلا مراد أن حادثتي الاول من أمس، والبحر الميت مطلع شهر تشرين الاول (اكتوبر) الماضي تعتبران “كارثة حقيقية على مستوى الإدارة والاستعداد”ـ
واستندت في رأيها الى ان “ما حدث ليس مفاجأة لأنه تم الحديث عنه منذ سنوات، وان التغيرات المناخية والتبعات العامة المصاحبة له كانت على شكل هطل مطري غزير ادى الى كوارث بشرية ومادية كبيرة”.
وشددت على ان “العمل الحقيقي في التعامل مع هذه الظاهرة، يبدأ بإجراءات محددة على وزارة البيئة، مع الجهات المعنية الاخرى مثل وزارتي مياه وزراعة، وأن تضع قانونا شاملا لموضوع التغير المناخي، يعمل على ضبط العملية بكافة مراحلها، وليس الاعتماد على نظام غير مستكمل.
وتؤكد مراد ضرورة “العمل مع المجتمعات المحلية وتعزيز الممارسات الاصيلة في التعاطي مع الكوارث، قبل واثناء وبعد هذه الظواهر التي حدثت وستحدث جراء تغير المناخ، والتنسيق بين الجهات الادارية والتنفيذية والمحلية، وعلى رأسها مؤسسات المجتمع المدني، التي طالما غُيبت من قبل الحكومات، لتعزيز التشاركية معهم في التخطيط والإدارة والعمل الميداني”.