في أول دراسة من نوعها بعنوان «تأثير محفظة الاتصال يسهم في استقرار أداء المحميات البحرية»، تبيّن أن شبكة مناطق حظر الصيد تضمن إمداداً ثابتاً من الأرصدة السمكية المتجددة، عبر موائل المحميات البحرية. والمقصود بمناطق حظر الصيد، المناطق البحرية المحمية التي لا يُسمح فيها بأنشطة الصيد، حفاظاً على التنوع البيولوجي.
ركّزت هذه الدراسة، التي بدأت منذ العام 2007، واعتمدت على مجموعة أبحاث امتدت على مدى 20 عاماً، على التنميط الجيني وتتبع حركات يرقات الهامور المرجاني في جزر كيبل، داخل الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا. ونُشرت نتائجها في عدد سبتمبر 2020، المجلة العلمية الصادرة عن الأكاديمية الأمريكية للعلوم. ويذكر أن مايكل بيرومين، مدير مركز أبحاث البحر الأحمر في كاوست، هو من المساهمين الرئيسيين في هذه الدراسة، إلى جانب خبراء إضافيين في المعهد الأسترالي لعلوم البحار، ومركز التميز التابع لمجلس البحوث الأسترالي لدراسات الشعاب المرجانية، وجامعة جيمس كوك، وجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا.
انتشار اليرقات
تظهر الأبحاث أن الأسماك في مناطق حظر الصيد، تنمو بشكل أكبر بكثير من تلك الموجودة في مناطق الصيد، وتنتج الإناث المزيد من البيض أثناء التبويض، مما يزيد من أعداد الأسماك عبر النظام البيئي. لكن الدراسات السابقة لم تتتبع منهجياً توزّع صغار الأسماك في مجمل النظام البيئي.
أمّا في هذه الدراسة، فقد التقط بيرومين وزملاؤه (ثم أطلقوا) الآلاف من أسماك الهامور المرجاني البالغة والصغيرة. وشارك الصيادون المحليون- المستفيدون على المدى الطويل من خطة الحماية- في مساعدة العلماء في العثور على أسماك الهامور البالغة والتقاطها.
من خلال التنميط الجيني للمواد المأخوذة من جزء من ذيول الأسماك، اكتشف الفريق صلة القرابة بين صغار الأسماك وآبائها، واستخدموا تلك المعلومات لرسم خريطة رحلاتها.
حيث تبيّن أن بعض صغار الأسماك بقيت في مناطق الحظر، فيما غادر بعضها الآخر إلى مناطق قريبة أو بعيدة، مما أدى إلى زرع بذور مجموعات جديدة منها، والمساهمة في التنوع البيولوجي داخل المحمية وخارجها.
ربط البحث بإدارة الحفاظ على البيئة البحرية
توفر نتائج البحث معلوماتٍ حول أنماط انتشار اليرقات، وتتيح لسلطات الصيد استخدامها لتصميم محميات بحرية فعالة؛ وتؤكد أن مناطق حظر الصيد تمثّل استثماراتٍ ذكية لتجديد الأرصدة السمكية.
يشير بيرومين إلى أن ميزة إجراء دراسة متعددة السنوات في المنطقة ذاتها، تكمن في امتلاك قياسات شاملة يمكن استخدامها لاحقاً لتقييم كيفية اختلاف أنماط الانتشار والتأثير على الشبكة عبر الزمن. وبهذه الطريقة، تكون الدراسة فريدة من نوعها، من حيث حجم البيانات التي تم جمعها وتطبيقها على إدارة الحفاظ على البيئة البحرية.
ويقول بيرومين: «لوقت طويل كان الباحثون يقدمون تكهّنات حول حركات اليرقات بعد التزاوج. أما اليوم، لدينا بيانات تجريبية حقيقية تبيّن من أين أتت وأين انتهى بها الأمر كأسماك بالغة، مما يمكننا من استخدامها لتتبع تحركاتها عبر زمن يعود لست سنوات مضت. وباستخدام هذه المعلومات، يمكننا تحديد مكان تركيز الحماية بشكل مناسب استناداً على مقدار التبادل، الذي يحدث بين الأماكن».
وتُظهر نتائج الدراسة، أن مجموعة مناطق حظر الصيد المتنوعة تعمل على استقرار أعداد الأسماك في جميع أنحاء العالم على الرغم من تقلّبات الظروف المحيطة بكل محمية على حدة، ما يسمح للتجمّعات البحرية بالتعافي؛ تماماً بما يشبه مفعول محفظة سوق الأوراق المالية، التي تحمي المستثمرين من تقلّبات السوق.
«إذا كنت تعتمد فقط على واحدة فقط من هذه المحميات، فستواجه بعض السنوات السيئة حقاً، ولكن من خلال حماية مناطق متعددة، فإن بمقدور المحميات التي تعمل جيداً، أن تساعد في دعم النظام بأكمله. تمثل مناطق حظر الصيد نسبة صغيرة من إجمالي مساحة الشعاب المرجانية- في هذه الحالة ما بين 20- 30%؛ لذا يكفي استثمار صغير في الحماية حتى نجني فوائد كبيرة».
إضافة إلى الهامور، أخذ الفريق عينات من أنواع مختلفة، منها السمك المهرج، وسمك النهاش، وسمك الفراشة، وسمك الببغاء. ويتطلع الفريق قُدماً إلى تطبيق أبحاثهم على مزيد من الأنواع التجارية ومزيد من المواقع في المستقبل.